نظمت هيئة الشارقة للآثار محاضرة عن بُعد عبر تطبيق “زووم” بعنوان “تأريخ المصائد الحجرية في الأردن، باستخدام التقنية المستحدثة في التألق الضوئي لسطح الحجر”، قدمتها الدكتورة سحر الخصاونة، رئيسة قسم صيانة المصادرة التراثية وإدارتها في كلية الآثار والانثروبولوجيا بجامعة اليرموك، حيث وصل عدد الحضور من المُهتمين وطلاب كليات الآثار 150 منتسباً، ويأتي ذلك ضمن سلسلة المحاضرات العلمية الأسبوعية لهيئة الشارقة للآثار.
وتحدثت الدكتورة سحر حول التشكيلات الحجرية الضخمة الأثرية التي تمثل ظاهرة واسعة الانتشار في منطقة بلاد الشام والجزيرة العربية، وتعود في الغالب إلى عصور ما قبل التاريخ في الأردن، وقد تم تسجيل العديد من هذه المواقع الحجرية سواء كانت تشكيلات حجرية خطية أو دائرية أو على شكل طائرة ورقية، وقالت:” مازالت معرفتنا عن تاريخ ووظيفة هذه المواقع قليلة، والسبب في ذلك قلة احتواء هذه المواقع على المواد الأثرية التي يمكن أن تستخدم للتأريخ بالطرق التقليدية، بالإضافة إلى عدم وجود تقنية تأريخ مباشرة للحجر المستخدم في بناء هذه المواقع”.
وتم استعراض إحدى هذه التشكيلات التي تعرف بالمصائد الحجرية وذلك من خلال تطبيق أحدث التقنيات التي طوّرت في مجال التألق الضوئي (Luminescence dating) لتأريخ سطح الحجر المدفون (Rock surface dating).
التشكيلات الحجرية
واستهلت الدكتورة سحر الخصاونة المحاضرة بتعريف مختصر حول التشكيلات الحجرية قائلة: “التشكيلات الحجرية واسعة الانتشار في منطقتنا، لا يمكن رؤيتها من على مستوى الأرض، إلا أن الصور الجوية والأقمار الصناعية ساعدت على اكتشاف الكثير منها، ونستشهد بما تم اكتشافه في الأردن من الدوائر الحجرية الضخمة، التي يصل قطرها إلى أكثر من 10 كيلو مترات، فضلاً عن الإطارات، والتشكيلات الخطية التي يصل طولها إلى 125 كيلو متر، أما في السعودية فهناك البوابات وهي عبارة عن صخور مرتبة لتكوين تشكيلات وأنماط متشابهة أو جديدة”.
وأضافت:” وظيفة التشكيلات الحجرية وأهدافها، وكيفية بنائها، كانت دائماً موضع تساؤل عند علماء الآثار، وبعض أنواع التشكيلات تشبه الطائرة الورقية، ولها حجرات محفورة في باطن الأرض، ويعتقد أنها كانت تستخدم كوسائط للحيوانات البرية مثل الغزلان، وجاءت البراهين الدامغة من علماء الحيوان لتثبت ذلك، كما أن النقوش الحجرية أكدت صحة هذه النظرية، و بحسب ما تم اكتشافه في سوريا فإن الصيادين كانوا يدفعون بالغزلان داخل هذه الغرف لاصطيادها، كما أن النقوش بالأردن، كشفت عن دفع حيوانات الغزال إلى داخل هذه الغرف، لتتم عملية الاصطياد داخلها، إلا أن الذبح والسلخ كان يتم في منطقة أخرى، فعلى الرغم من انتشار التشكيلات الصخرية، لم يتم اكتشاف بقايا الحيوانات إلا في عدد قليل داخلها”.
تاريخ اكتشاف المصائد الحجرية
وتم التطرق إلى نبذة عن بدايات اكتشاف المصائد الحجرية، حيث كان أول اكتشاف لهذه المصائد كان في عام 1927، عندما كانت طائرات السلاج الجوي الملكي البريطاني تحلق ما بين الأردن وبغداد، فلاحظ الطيارون من ارتفاعات عالية وجود تشكلات صخرية بارزة، فكانت البداية باكتشاف التشكيلات الحجرية على هيئة الطائرات الورقية، ومع مرور الوقت اكتشفت أنماط جديدة تم توثيقها، وفي عام 2014 أُعلن عما يقرب من وجود 4616 تشكيلاً حجرياً تم اكتشافها عبر الصور الجوية والصناعية و”جوجل إرث”.
وتتوزع التشكيلات في منطقة بلاد الشام والسعودية واليمن وشرق آسيا، أما في الأردن، فتم اكتشاف حوالي 1000 تشكيل حجري، وتحديداً في شرق الأردن وجنوبها حيث تنتشر عبر مساحات واسعة صخرية. كما تناولت المحاضرة التشكيل الحجري المكتشف في جبال الغدويات الواقع في منطقة الجفر الموجودة في الحدود القريبة مع السعودية، والذي تم كشفه عبر فريق بحثي أشرف عليه الباحثان وائل أبوعزيز، ومحمد الطراونة.
وأشارت الدكتورة سحر إلى أن في عام 2018، تم إطلاق حملة حفرية استكشافية داخل غرف التشكيلات الحجرية، لمعرفة تاريخ بنائها، واكتشف أن الجدران الصخرية مبنية على ارتفاعات مختلفة، ويعتقد أن بعض الجدران كان يصل ارتفاعها إلى متر واحد، لكنها انهارت بفعل العوامل الطبيعية، حيث كانت تستخدم كمصيدة للحيوانات قام الإنسان القديم ببنائها.
تقنية التألق الضوئي
وشرحت بالتفصيل تقنية ” التألق الضوئي”، موضحةً أن هذه التقنية تستخدم منذ فترة السبعينات، ومن وقت لآخر يتم الإضافة والتحديث فيها، ومؤخراً تم تطويرها بالتعاون مع مختبر علمي في الدنمارك، حيث تعتمد على قدرة بعض التركيبات المعدنية مثل الكوارتز في الرمل على تخزين الطاقة، نتيجة تعرضها لإشعاعات من المواد الأرضية كالتراب والصخور.
وتابعت الدكتورة سحر: “ويتم تخزين الطاقة من قبل المعدن إلى درجة الإشباع، وفي حال تعرضه لعوامل التعرية والحرارة والرطوبة والضوء عبر السنوات، يفقد الطاقة التي تم تخزينها، مما يدفعه لبناء الطاقة مرة ثانية، وهذا تحديداً ما نقيسه، أيْ عدد مرات اكتسابه الطاقة، وعند فحص المادة في المختبر، فالهدف هو معرفة عدد المرات التي خزن فيها الطاقة منذ آخر مرة تعرض فيها لأشعة الضوء، وبذلك بإمكاننا معرفة الفترة الزمنية بدقة من خلال معادلة رياضية، ألا وهي احتساب كمية الطاقة المخزنة مقسومة على معدل تخزين الطاقة السنوية”.
وخلصت إلى أن الطريقة الحديثة التي تم تطويرها من التقنية، يمكن من خلالها معرفة تاريخ تعرض الحجر للشمس، وبالتالي التوصل إلى تاريخ التشكيلات الحجرية.
وتتمثل رؤية هيئة الشارقة للآثار، في جعل الشارقة رائدة بمجال حماية الآثار، وصون المكتشفات الأثرية، واتباع أفضل الممارسات والمعايير لحماية المواقع الأثرية والمناطق التاريخية، حيث أن إمارة الشارقة يتوافد عليها عدد من بعثات التنقيب الأثرية الأجنبية التي تعمل بالإمارة بموجب اتفاقيات عمل خاصة، وتحت إشراف هيئة الشارقة للآثار بالتعاون مع البعثة المحلية، بالإضافة إلى أن هناك العديد من المواقع الهامة وعلى رأسها موقع مليحة، كأحد أهم المواقع الأثرية في دولة الإمارات العربية المتحدة.