عشرون نصاً مسمارياً (تاريخياً وأدبياً)

طوال ثلاثة آلاف عام والكتابة المسمارية تستعمل في تدوين اللغتين السومرية والأكادية في بلاد الرافدين والشام وما يحيط بهما من بلدان العالم القديم. ولما كانت الحضارة القديمة التي قامت ع ى أرض مهد الحضارات في المشرق العربي حضارة أصيلة، رائدة، ناضجة وخلاقة، فقد كان لها نتاج غزير في شتى مجالات المعرفة. ووجد هذا النتاج في الكتابة المسمارية حافظة لا يحد من عطائها زمان ولا مكان. وحين حلت رموز هذه الكتابة المعقدة وعرفت أسرارٌ كثيرة من أسرارها
في العصر الحديث أخذت نصوصها تكشف عن ما لم يكتشف من مكنون تلك الحضارة الخالدة المعلمة. وبدأت هذه النصوص تقول ما لا يمكن للشواخص والأوابد والعمائر أن تقوله عن إبداعات الأسلاف.
لقد كشف الغرب عن النصوص المسمارية، واكتشف طريقة قراءتها وترجمتها، وفطن إلى ما يمكن معرفته واستخلاصه منها. وتخلفنا نحن، سكنة بلاد الحضارة نفسها، في التعامل مع النصوص المسمارية وفي قراءتها وترجمتها.
وترى قلة في ربوعنا أن لا حاجة بنا إلى بذل الجهد والكدح في قراءة هذه النصوص وترجمتها طالما هناك من يستطيع القيام بذلك في فرنسا وأمريكا وغيرهما من دول الغرب، وهو ما إدعى به أحدهم ممن تخصص بالمسماريات في فرنسا وعمل في سورية.
ولست هنا بصدد تحليل نهج اللا نهج هذا أو استجلاء دوافعه التي لا تخفى ع ى فطنة القارئ الكريم، وإنما الكلام هنا بصدد ما فعلناه وما يمكننا فعله لتجاوز التخلف في التعامل مع شواهد حضارة بلادنا القديمة ونتاجها.
ولقد سبق هذا الكتاب مجموعة من الكتب أصدرها المؤلف تحت سبعة عشر عنواناً تخص آثار هذه الحضارة الخالدة ونصوصها. وهذه الكتب جميعها، فض اً عن الكتاب الحالي، موجهة لخدمة تطلعات باحثينا ومثقفينا في التعرف ع ى جوانب حضارة لها الفضل ع ى حضارات لاحقة لها مستفيدة منها. وما تضمنته هذه الكتب يمهد أيضاً لبحوث أخرى سيكون لها دور متمم لما صدر.
يأتي هذا الكتاب بما يخدم القراء العرب في الاطلاع مباشرة ع ى مجموعة تتألف من عشرين نصاً مسمارياً مدوناً باللغتين السومرية والأكادية. ومواضيع هذه النصوص تدخل في مجالي التاريخ والأدب وما يتصل بهما. ويقدم المؤلف هذا الكتاب بعد أن قدم الترجمات العربية الأولى المباشرة لنصوص مسمارية أساسية تأخر تقديمها في العربية طويلاً، ومنها شريعة حمورابي، ملحمة جلجامش وقصة الخليقة البابلية (حينما في العلى).