دولة الإمارات العربية المتحدة
إمــــــــــــارة الشـــــــــــــــارقة
المجلــــــــــس البلـــــــــــــــدي لمدينـــة دبا الحصــــــــــن
قائمـــــــــــــة الــــــــــتراث الثقــــــــــــــافي
حرفة المَالَح
تعد الحرف التقليدية أحد أهم الركائز التي تقوم عليها حياة الأهالي في المنطقة الشرقية ولا سيما في مدينة دبا الحصن، فعلى الرغم من التطور السريع الذي تشهده المنطقة في شتى المجالات، إلا أن ذلك لم يشغل أهلها عن تراثهم البحري وحرفهم التقليدية التي اشتهروا بها مثل حرفة المالح التي تعد من الحرف التقليدية التي عرفها أهل الإمارات، لا سيما أهالي الساحل الشرقي الذين ارتبطت حياتهم بالبحر، عن طريق التجارة وصيد الأسماك التي لا تتوفر بكثرة في مياه الخليج، حيث اعتاد أهل المنطقة على تمليح الأسماك قديماً بغية الحفاظ على مخزون من الطعام يكفي لفترات طويلة ، و تنشط حرفة المالح في فصل الصيف وفي مواسم وفرة الأسماك وانخفاض أسعارها.
تعد حرفة المالح، واحدة من أقدم الحرف التقليدية التي عرفها أهالي دبا الحصن في إمارة الشارقة، وعلى الرغم من الطرق المتطورة في حفظ الأسماك، إلا أن الأهالي ما زالوا يفضلون الطريقة التقليدية، في حفظها وتجفيفها، إذ يتمتع الأسماك المعدة للتمليح، مقارنة بغيره من الأسماك، بشعبية لأنه قابل للتخزين لمدة طويلة، وتنشط حرفة المالح في مواسم وفرة الأسماك وأثناء انخفاض أسعارها، إذ يقوم الصيادون وأصحاب الخبرة بتخزين الأسماك المحلية المشهورة عن طريق تمليحها بوضع الملح الخشن، وهي من أهم الطرق القديمة لحفظ الأسماك أكبر مدة ممكنة، حيث يزداد الطلب على المالح صيفاً لندرة الأسماك في السوق وعزوف معظم الصيادين عن الخروج للصيد، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهروب الأسماك إلى الأعماق، فزيادة الطلب على المالح تساهم في ازدهار إنتاجه في الساحل الشرقي، حيث أصبح إنتاج المالح علامة تميز بشكل خاص مدينة دبا الحصن، ما يعد فرصة سانحة لجني أرباح جيدة لتجار منتجي المالح، ومع الأيام تطورت هذه الحرفة، وأصبح لها رواج واسع على مستوى دول الخليج العربي.
يعد حفظ الأسماك بالتمليح من المعارف التقليدية الموغلة في القدم، وأبدعها الناس نسبة لحاجتهم لتناول الأسماك حين تقل أو تنقطع أي في غير موسم توفرها، وذلك في أوقات كان من الصعب الخروج فيها للصيد لأسباب مناخية، وأيضاً لأن الكثير من التجمعات البشرية كانت بعيدة عن البحر، فمنهم من يسكن الجبال أو الأودية، في الوقت الذي لم تتوفر فيه وسائل النقل الحديثة، من هنا جاء تجفيف وتمليح الأسماك لضمان الحصول عليها في أي وقت، وهو أحد الابتكارات البشرية، وقد تعامل بها أهل الإمارات، لأجل صنع وجبات لذيذة، خصوصاً أن السمك هو الوجبة الرئيسة، حيث كان يؤكل قديماً مع التمر فقط حين لا يتوفر الأرز، واستمرار طرق التجفيف والتمليح ينم عن حس عالٍ بأهميته، من حيث وفرة العناصر في مكونات الأنواع التي يتم تجفيفها وتمليحها، مثل لحم سمك القرش الصغير وأسماك متنوعة ومنها بيوض الأسماك، وكذلك لجأ الإنسان إلى تمليح السمك مثل الكنعد والقباب.
سمك المالح إنتاج غذائي يميز تراث دولة الإمارات العربية وكل تراث الخليج اكتسب أهميته من كونه يمثل الأمن الغذائي الذي أسهم في درء المخاطر الغذائية التي كانت تهدِّد المجتمع في سنوات الضنك وشظف العيش، لذلك لا غرابة أن يحرص الآباء والأجداد على توريث حرفة المالح للأبناء.
يعتبر سمك المالح من الوجبات الشهية والمرغوبة للناس لما له من نكهة شهية مميزة ويعتبر وجبة لا تغيب عن موائد أبناء دول الخليج بشكل عام ودولة الإمارات بصفة خاصة، ومن الأقوال المأثورة “أمة تأكل المالح لن تجوع أبداً”، لأن الخليج العربي يزخر بجميع أنواع الأسماك التي يمكن الاستفادة منها في إنتاج المالح.
لجأ الناس إلى السمك المالح منذ أمد بعيد، عندما كانت وسائل التخزين المبرد الحديثة معدومة، إذ لجأ المجتمع إلى الملح كمادة ناجعة لحفظ الأسماك فترة طويلة تصل إلى سنة كاملة.
طرق حفظ سمك المالح
قد يبدو إنتاج سمك المالح في ظاهره عملية سهلة، وبمقدور كل شخص القيام به، لكن في واقع الحال الأمر ليس كذلك، بل يتطلب إنتاج المالح المعارف والخبرات والمهارات، وهو ما يعني أنه ليس بوسع كل إنسان الادعاء بأنه يستطيع ممارسة إنتاج المالح إلا من لديه الخبرة والمهارة؛ لذلك عنصر حرفة المالح يرتبط بالمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة ذات الصلة بمعارف إنتاج وحفظ الطعام، وتمر بمراحل تتطلب المعرفة والخبرة والمهارة أولاً في اختيار نوع الأسماك الجيدة والمرغوبة من الناس مثل القباب، الكنعد، الصدا وغيرها من الأنواع الأخرى، ثم إعدادها وتمليحها وحفظها في إناء، بالاضافة الى وضع مجموعة من الحصى تفيد في الضغط على الأسماك داخل الاناء لتخرج ما فيها من الماء فتصبح على درجة من الصلابة، ومن ثم القيام بتغطية الاناء باحكام لمدة 70 يوماً تقريباً. وعند فتح الاناء تكون الأسماك غارقة في محلول الملح وقد اكتسبت الرائحة والمذاق المطلوبين، إذاً إعداد «المالح» بطريقة جيدة ليكون طعمه لذيذاً حينما يؤكل، ولكي يكون محتفظاً بعناصره وبمذاقه دون تعرضه للتلف هذا رهين باختيار نوع السمك الطازج والمناسب للتمليح، وطريقة تنظيفه وحفظه وتعريضه للشمس واستخدام ملح الجبل أو البحر.
الزمن المستغرق لتخمير المالح من 3 شهور إلى 6 شهور، سمك المالح عبارة عن سمك يحفظ بعد أن يملح بالملح في أواني من البلاستيك التي لا تتفاعل مع الملح.
أنواع الأسماك المستخدمة:
- الكنعد.
- القباب.
- الصدى.
- اليودر المعروفة بسمك التونة.
- خيل البحر.
- الخباط.
أنواع الأسماك المفضلة:
يعد (المالح) من أسماك مختلفة، وأهمها سمك الكنعد، وسمك القباب ذو الحجم الصغير والكبير، وسمك الصد من الحجم الصغير، ويقطع رأس السمك وذيله، ومن ثم تقطيعه بالطول إلى نصفين، وشقه من الداخل بخطوط طولية، وفي حال كانت السمكة كبيرة تقسم إلى قطع، أما الصغير فلا يقطع، وتنظف السمكة من خلال استخراج أمعائها، ومن ثم إضافة الملح بكميات لا يدركها إلا من تمرس في إعداد (المالح)، لافتاً إلى أنه لا يتم غسل السمك عند استخدامه للـ(مالح)، لأن الغسل يفقد السمك القدرة على إفراز الماء، الذي يساعده على الحفظ، في ظل كمية الملح المضافة له والتي تساعد على إفراز الماء، ويحفظ السمك بعد ذلك في عبوات خاصة، توضع في الشمس لمدة ثلاثة أشهر في فصل الصيف، أما في فصل الشتاء فتوضع من أربعة إلى خمسة أشهر.
من أنواع السمك المفضلة الكنعد وذلك؛ لأن لحمه أبيض وكثير، ويتحمل الملح ودرجات حرارة الشمس، وعظامه قليلة ولذيذ الطعم، ويحفظ لزمن طويل، وكذلك سمك القباب، يمتاز بالمواصفات نفسها.
مراحل إنتاج المالح:
يمر إنتاج المالح بسبع مراحل:
- اختيار النوع الممتاز من السمك.
- تنظيف السمك بشكل جيد، بإزالة الزعانف والزيل والرأس والخياشيم والأحشاء والدم.
- استخراج الهيكل العظمي أي الشوك والعظام.
- تقطيع السمك إلى أجزاء مفرودة بعد إزالة العظام.
- تشريح قطع السمك لدخول الملح في هذه التشريحات.
- وضع كميات كبيرة من الملح الطبيعي الخشن على قطع السمك.
- وضع السمك بعد التمليح في أوانٍ بلاستيكية أو علب بلاستيكية محكمة الإغلاق لمنع دخول الهواء، ثم عرضه في الشمس؛ حيث تساعد الشمس في تشرب شرائح السمك بالملح، وتستمر ثلاثة شهور ليكون صالحاً للأكل ” في السابق كان يحفظ في أواني فخارية كبيرة المسماه بـ ( الخرس ) ومن ثم في علب من الصفيح “، ويتم إغلاقه بقطعة من الحجر الكبيرة فوق قطعة من القماش لإحكام الغلق والمحافظة على الأسماك من الحرارة والرطوبة.
ملحوظة: الزمن المستغرق للنضج يختلف بحسب الفصل؛ في الصيف ونسبة لارتفاع درجة الحرارة يكون النضج أسرع، عكس الشتاء يكون النضج أبطأ نسبة للبرودة.
مراحل إعداد المالح
تطور إنتاج المالح خلال السنوات القليلة الماضية في دبا الحصن بشكل لافت، وبالأخص فيما يتعلق بإضافة النكهات والبهارات حسب طلب ورغبة المشتري، وآخرها (مالح بنكهة الزعتر)، حيث يضيف نكهة خاصة ومميزة على الطعام، وأصبح كثير من محبي المالح يطلبون هذه النكهة، بالإضافة إلى (المالح بالليمون)، و(المالح بالفلفل)، و(المالح المشكل). وحسبما يقول أحمد عبدالله بغداد صاحب أحد محال بيع المالح الشهيرة في دبا الحصن، إن هناك طلباً متزايداً على المالح الذي يحمل نكهة معينة، ونتلقى طلبات باستمرار من داخل الدولة، ومن بعض دول مجلس التعاون الخليجي لتجهيز المالح وبالأخص (مالح الكنعد) الذي يعتبر أجود الأنواع على الإطلاق.
أما طريقة إنتاج المالح، حسبما ذكر الراوي بغداد، فتمر بعدة مراحل، أولها فصل رأس السمكة وشقها ونثر الملح بشكل محكم على كل جزء مشرَّح في السمكة حتى لا تتعفن، فجودة المالح وقيمته الغذائية تعتمد بشكل أساسي على طريقة التمليح، وبعدها يوضع في علب بلاستيكية في الوقت الراهن، أما في الماضي فكانت تخزن في «خروس» كبيرة يطلق عليها فخارة، ومن ثم يتم تفريغها بالأبياب، وهي علب صغيرة مصنوعة من الحديد ويستمر المالح مخزنا بهاً ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر حتى ينضج، ويصبح جاهزاً للأكل.
أنواع المالح وأسعاره:
يعتبر سمك (الكنعد) من أجود أنواع سمك المالح لأنه يقاوم حرارة الشمس ولا يفسد بسهولة، ويظل داخل العلبة أكثر من عشرة شهور بدون أن يفسد أو تقل قيمته الغذائية ويبقى على تماسكه محافظاً على خصائصه، ويبلغ سعر علبة مالح الكنعد التي تتسع لما بين 10 إلى 12 قطعة من الحجم المتوسط 350 درهماً ويأتي سمك (القباب) في المرتبة الثانية من حيث السعر والإقبال عليه نظراً لقرب خصائصه من الكنعد، ويبلغ سعر علبة القباب ذات القطع الكبيرة 200 درهم، والقطع المتوسطة 150 درهماً، والقطع الصغيرة 100 درهم، وتتسع كل علبة منه لعشر سمكات من الحجم المتوسط، وهو يتمتع بجودة عالية ومذاق طيب، أما (الصدى) فيحتل المرتبة الثالثة في قائمة المالح وهو لذيذ الطعم، إلا أنه ضعيف المقاومة ولا يتحمل البقاء أكثر من ثلاثة شهور داخل العلبة، وإذا استمر ظهرت عليه علامات الفساد والتفتت ويفقد نكهته ويتراوح سعره من 70 إلى 90 درهماً، أما سمك (القد) فيأتي في ذيل قائمة المالح، ولا يتجاوز سعره 30 درهماً نظراً لقلة جودته وضعف الإقبال عليه.
سمك القباب، أحد أنواع الأسماك التي تستخدم لإنتاج المالح.
طريقة تحضير المالح للأكل:
تتمثل في غسله بالماء المغلي وإزالة جلد السمكة مع العظام العالقة، ثم يوضع في إناء يسكب عليه قليل من الماء والليمون ويغطي لمدة ثلاثين دقيقة، يكون بعدها جاهزاً للأكل مع طبق الأرز الأبيض المسلوق، وهذه الطريقة هي الأشهر لأكل المالح؛ أما البعض فيفضله عن طريق المكبوس، كما أن نكهات المالح باتت متعدِّدة، وتمنح الزبائن خيارات جديدة بنكهات لا تقتصر على المالح فقط، فبعضهم ينكِّه المالح بنكهة طعم الليمون الحامض مع الملح فقط، وبعضهم يستخدم الفلفل الحار، وهنالك من يستخدم الزعتر وبعض الأعشاب العطرية، فهي خيارات تلبي أذواق زوَّار الأسواق في الساحل الشرقي.
ومن طرق تحضير المالح:
إضافة السمك المالح حتى يختلط السمك مع خلطة البصل، وتحريكه حتى يصبح مثل العجينة، وإضافة ماء قليل وتركه لمدة 3 دقائق حتى ينضج، إذا السمك يابس نزيد الماء إلى 80% ومن ثم خلطه مع السمك ليكمل النضج.
- قليل من الأرز.
- طبقة من السمك.
- طبقة أرز.
- ثم وضع قليل من السمن.
- ثم يوضع في إناء (حلَّة) لمدة 20 دقيقة.
قال عبدالله أحمد بغداد في مقابلة بتاريخ 6 فبراير 2024م، عن طريقة إعداد (المالح)، كطبق غذائي، بمدينة دبا: “تخرج قطع (المالح) من الماء وتغسل مرتين، ومن ثم سلقها، وتقطيعها إلى قطع صغيرة الحجم، ويعاد غسلها حتى يتم التوصل إلى كمية الملح المناسبة المرغوب فيها، لتأكل فيما بعد مع الأرز الأبيض والبصل والليمون، وقد تستخدم في إعداد (المردودة)، وهي تشبه (الصالونة)، إلا أنها تتميز بكثرة استخدام البصل فيها، كما يتم تقديم المالح مع الأرز (المحمر) لكسر طعم السكر فيه وغيره، مشيراً إلى أنه في السابق كان يفضل أكل (المالح) في موسم توافر الرطب والليمون، أما في الوقت الحالي في ظل توافر جميع المنتجات في غير مواسمها فأصبح أكله لا يقتصر على موسم معين، فضلاً عن أنه تم إدخاله في ابتكار أصناف مختلفة”.
أنواع أكلات طبخ المالح:
- مرقة مالح.
- المجبوس.
- موغر.
- تناول المالح مع الأرز الأبيض.
- مزج المالح مع الأرز في القدر نفسه.
وصفة طبخ المالح:
يوضع سمك المالح في إناء به ماء ساخن، يتم تغيير الماء مرتين، بعدها يسلق مرتين، وفي كل مرة يغير الماء، كل خمس دقائق، ويحضر له عدد من البهارات منها؛ ورق الغار، الفلفل الأسود، عود القرفة، حبات هيل، قرنفل، فصين ثوم، ملعقتين كبيرة الحجم معجون طماطم، بهار مشكل ملعقة كبيرة، ملعقة صغيرة كركم، ملعقة كبيرة كسبرة، فلفل أخضر حار، حبتين طماطم، حبتين بصل، كوبين ونصف أرز بسمتي (ينقع ربع ساعة)، ربع كوب كسبرة فريش، سمن أو زيت، إذا لم يتوفر وملح حسب الحاجة.
- الزيت في النار.
- البصل + الفلفل الأخضر.
- إضافة البهارات المسحونة وحتى تنضج البصلة.
- الطماطم وإضافة الكسبرة.
- ملعقتين كبيرة معجون طماطم.
- ليمون مجفف.
ترك الخليط لمدة دقيقتين وحتى تنضج الطماطم.
- غلي الأرز في الماء بإضافة البهارات الكاملة وملعقة ملح للأرز وغلي البهارات ثم إضافة الأرز.
- يسلق المالح للتخلص من الملح الزائد ويرمى في ماء السلق رأس بصل لمدة ثلث ساعة، ثم يصفى ونتركه في النار ليغلي، ثم يصفَّى ويفتَّت، ويضاف إلى المالح البصل المبشور أو المقطع الناعم؛ كذلك الفلفل الأخضر والطماطم ويضاف أيضاً الملح والليمون والفلفل الأسود وقليل من زيت الطهي المذكور، ويقلب كأنه سلطة ويسمى هذا المالح “موغر”، يؤكل مع الأرز المشخول والسمن.
صورة توضح المالح الموغر، أحد طبخات المالح بالعيش
المناسبات الاجتماعية والأوقات التي يؤكل فيها المالح:
أيام عيد الفطر المبارك، عقب رمضان تفادياً للعطش.
في المناسبات الاجتماعية؛ مثل الزواج والاحتفالات الدينية.
أيام شح البحر من أصناف السمك.
يوم تضرب ريح الشمال ولا يوجد سمك.
في فصل الشتاء يتم تناول المالح في الأيام التي يكون فيها الطقس متقلباً حين تمتلئ السماء بالغيم الكثيف في موسم الأمطار، في هذا الوقت يحبذ أهل الإمارات أكل المالح.
مهرجان المالح والصيد البحري:
بدأ مهرجان المالح والصيد البحري منذ العام 2012م، واستمر تنظيمه السنوي حتى العام الماضي 2023م، ينظمه المجلس البلدي لمدينة دبا الحصن بمشاركة غرفة تجارة وصناعة الشارقة وبلدية مدينة دبا الحصن، بمشاركة واسعة لعدد من المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص، والمحال التجارية المتخصصة في صناعة وبيع المالح ومشتقاته والأُسر المنتجة وينظم المهرجان في كل عام من أجل صون التراث وتعريف الأجيال الحاضرة بالحرف التقليدية التي كان يمارسها الآباء والأجداد وما زالوا يمارسونها، فالتراث البحري جزء من الهوية الوطنية وواجب الاعتزاز به وتثمينه، ويعد المهرجان أحد أبرز المهرجانات التراثية والسياحية المتخصصة في إنتاج وتسويق المالح على مستوى المنطقة، ويهدف أيضاً إلى دعم الأسر المنتجة التي لا تزال تشتغل في هذه الحرف التقليدية، وتحرص الجهات المنظمة التي منها المجلس البلدي وبلدية دبا الحصن على تطوير فعاليات مهرجان المالح والصيد البحري بشكل مستدام، بالتعاون مع شركائهما من مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص التي تُسهم في تنشيط الحركة الثقافية والاقتصادية والسياحية، ويساهم المهرجان في دعم الحرف التقليدية والمنتجات الغذائية في المنطقة الشرقية لإمارة الشارقة، وتشجيع أبناء المنطقة على تحقيق أفضل استفادة ممكنة، مع حفظ وصون هذا التراث وإنتاج المالح باعتباره واحد من أهم الحرف التقليدية في المجتمع الإماراتي، وأحد روافد الأمن الغذائي للدولة، علاوة على تعريف الأجيال والأسر المنتجة على أصالة ماضي الأجداد، التي تحافظ على التراث البحري الإماراتي.
مهرجان المالح والصيد البحري.
يشهد المهرجان الذي تقام فعالياته في مدينة دبا الحصن، العديد من الأنشطة والبرامج التراثية التي تحتفي بحرفة المالح والصيد البحري، إلى جانب ورش تعليمية وتثقيفية عن أساسيات حرفة المالح وتمليحه وتعليبه وغيره من الحرف التقليدية الأخرى، بالإضافة إلى تنظيم الندوات التثقيفية التي تتضمن موضوعات مختلفة تهدف إلى التوعية بأهمية حرفة المالح والمحافظة عليها والموضوعات ذات الصلة المتعلقة بالصيد والحفاظ على الأسماك بممارسة الصيد حتى لا يكون جائراً ويؤدي إلى إنقراض الأنواع المفضلة في إنتاج المالح، تأتي هذه الندوات التوعوية ضمن سلسلة من البرامج التي تهدف إلى تعريف الممارسين لحرفة الصيد وحرفة إنتاج المالح بالتشريعات والقوانين في الانظمة الاقتصادية بالدولة إيماناً بالدور التوعوي والإرشادي للغرفة التجارية كواحدة من الجهات الشريكة في تنظيم المهرجان والتي تشرف على تنظيمه في خدمة منتسبيها بشكل عام. كما تهدف الندوات المصاحبة لمهرجان المالح والصيد البحري لتوعية المشاركين في المهرجان من الصيادين والحرفيين والتجار وتعريفهم بالأساليب الحديثة المعتمدة للحفاظ على الثروة السمكية والآليات المتبعة في الحفاظ على المحميات الطبيعية البحرية بصورة عامة وأنواع الصيد المسوح بها من قبل وزارة البيئة والمياه، إضافة لتعريف الجمهور وخاصة صغار السن من الأطفال والشباب بأنواع الأسماك مع تقديم عرضاً عن أنواع الصيد التي يزاولها الآباء منذ القدم؛ لتعريف الأجيال بالصيد وبحرفة المالح، بالإضافة إلى التوعية بالممارسات الصحية والصناعية السليمة للمنتجات السمكية، وتوفير المعلومات الإرشادية والعلمية عن هذه الصناعة بتوزيع الكتيبات خلال المهرجان، هذا يتم بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة التي منها وزارة البيئة والمياه وهيئة البيئة والمحميات الطبيعية وبلدية دبا الحصن.
فضلاً عن المنصات التي تخصص للأسر المنتجة، والمأكولات التقليدية والفعاليات التراثية وتحرص إدارة غرفة تجارة وصناعة الشارقة على مواصلة تنظيم مهرجان المالح والصيد البحري بهدف الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي للدولة عموماً وإمارة الشارقة على وجه الخصوص عن طريق الاحتفاء بسلسلة الحرف التقليدية البحرية العريقة التي مارسها أبناء الإمارات على مدى الأجيال والعمل على تنشيطها وضمان استدامتها، إلى جانب دعم الشركات والأُسر المُنتجة العاملة في هذه الحرف التقليدية الحيَّة، ويعد المهرجان استكمالاً للعديد من الفعاليات التي تنظمها غرفة الشارقة على مدار العام بالتعاون مع بلدية مدينة دبا الحصن وكافة الشركاء وعلى مدار دورات المهرجان السابقة استطاعوا تحقيق قفزات نوعية بكل نسخة يتم تنظيمها، حيث نجح المهرجان في العام الماضي في استقطاب آلاف الزوار وحقق مبيعات وعوائد مالية مجزية للمنتجين، وفي النسخة العاشرة في العام الماضي حرصت اللجنة المنظمة على تقديم دورة متميزة من خلال العمل على استقطاب أكبر عدد من المشاركين وتنويع البرامج والأنشطة البحرية التي تحتفي بإنتاج المالح الذي يعتبر من الحرف التقليدية القديمة والمستمرة في الإمارات.
مشاركة الأسر المنتجة في مهرجان المالح.
تحرص اللجنة المنظمة لمهرجان المالح والصيد البحري على الترويج لهذه الفعالية عبر عدد من الوسائل الإعلامية الرقمية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، هذا ساعد على التعريف بحرفة المالح ونقلها وخلق التفاعل والتواصل بين كافة فئات المجتمع التي لها صلة بالتراث البحري بشكل عام وبحرفة المالح بشكل خاص.
يشهد مهرجان المالح والصيد البحري، إقبالاً كبيراً من أبناء مدينة دبا الحصن ومختلف إمارات الدولة، الذين يتوافدون للإستمتاع بالفعاليات التراثية والأهازيج الشعبية والأنشطة الترفيهية التي يزخر بها المهرجان.
إلى جانب الاطلاع على العروض المتنوعة التي يقدمها المشاركين بدءاً من طرق تمليح السمك وتعبئته وإعداده، وتقنيات بناء السفن وأدوات صيد السمك وطرقه وما يصاحبها من أهازيج وأغاني بحرية والعديد من الحرف التقليدية البحرية التي مارسها الآباء والأجداد
ويسجل المهرجان دائماً ارتفاعاً كبيراً في نسبة مبيعات المشاركين من الصيادين والأسر المنتجة وأصحاب المحال التجارية المتخصصة في إنتاج المالح ومشتقاته، ويفعل النشاط الثقافي والاقتصادي، ويشكل منصة سنوية مهمة لتبادل الخبرات والتجارب، والترويج لمنتجات المشاركين من المالح وتعزيز مبيعاتهم، ولاسيما في ظل تواصل نجاح المهرجان في استقطاب آلاف الزوار، ما يتيح الفرصة لصون التراث البحري، وتسليط الضوء على حضارة وتراث إمارة الشارقة خاصة، ودولة الإمارات عامة.
يضم «مهرجان المالح» أجنحة متنوعة، منها المحال لبيع «المالح» بجميع أنواعه: «القباب» و«الكعند» و«الخباط» و«الصد»، وصناعات تقليدية أخرى تتعلق بالثروة السمكية، وركن للأسر المنتجة يشمل صناعات مختلفة منها البهارات، بالإضافة إلى ركن للحرفيات يركز على حرف بحرية، منها صناعتا الليخ والقراقير، فضلاً عن ركن يحمل عنوان المتحف البحري يضم أدوات تعود إلى بداية القرن الماضي كانت تستخدم في البحر، وركن خاص بأدوات الصيد، وركن لمحركات القوارب الحديثة، فضلاً عن ركن خاص للدوائر الحكومية، بالإضافة إلى ركن للمهتمين بالتراث.
تجارة المالح في مهرجان المالح
التراث البحري يجسد مكوناً رئيساً ومتأصلًا بعمق في النسيج الثقافي لمجتمع الإمارات، وتحرص غرفة تجارة وصناعة الشارقة بالتعاون مع كافة الجهات المنظمة للحدث، على استعراض مكونات هذا التراث الحي لجميع أفراد المجتمع، والاحتفاء بالعادات والتقاليد والمهارات والفنون لمجتمع البحارة وممارسي الحرف المرتبطة بحياة البحر في دولة الإمارات، فضلاً عن تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية ودعم الصناعات الحرفية والغذائية في المنطقة الشرقية لإمارة الشارقة، وتشجيع أبناء المنطقة على تحقيق أفضل استفادة من هذا المهرجان، وكذلك صون هذا التراث وإنتاج المالح باعتبارها واحدة من أهم الحرف التقليدية في المجتمع الإماراتي وأحد روافد الأمن الغذائي للدولة.
تكمن أهمية المهرجان بالنسبة للمنتجين في مجال حرفة المالح والصيد البحري في مختلف إمارات الدولة باعتباره حدث يساهم في حفظ وصون التراث وفي استقطاب العديد من الزوار ولا سيما فئة الشباب من الجنسين الأمر الذي يساهم في تعريف الأجيال الجديدة بحرفة الآباء والأجداد ولا سيما حرفة المالح التي كانت ولا تزال حرفة أساسية لأهل الساحل من الصيادين.
تدابير صون تراث المالح:
تسعى حكومة إمارة الشارقة إلى توفير بيئة حاضنة لجميع المهن التقليدية وخاصة المتعلقة بالبحر، من خلال استغلال ثرواتها بالشكل الأمثل، وتعزيز الوعي البيئي، وترسيخ مفاهيم التنمية المستدامة.
مدينة دبا من المناطق التي تعد مركزاً لإنتاج المالح بكميات كبيرة ومن أجل صون هذه الحرفة وتوفير احتياجات المنتجين والصيادين بالمدينة ولتذليل كل العقبات التي تواجه الأهالي في إنتاج وحفظ أسماك المالح في مدينة دبا الحصن، الآن يتم تنفيذ مشروع سوق مخازن المالح بجزيرة الحصن، الذي نفذ بنسبة 60% ، وذلك ضمن حرص صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على قيام مشاريع تنموية جديدة وفق شروط صحية عالية، تحافظ على سلامة كافة المتعاملين، مما يسهم في دعم الإنتاج والمنتج الإماراتي، وتحقيق التميز والريادة.
في الآونة الأخيرة زاد الطلب على المالح بشكل كبير، وأصبح سوق السمك في دبا الحصن من أهم الأسواق التي تصدر المالح بالإضافة إلى أن عدد محال بيع المالح ارتفع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية ليصل إلى 21 محلاً حالياً. بالإضافة إلى أن إنتاج المالح وتتبع مراحل إنتاجه في دبا الحصن تتم تحت إشراف قسم الصحة في البلدية، ويتم وضع ملصق يوضح تاريخ صلاحية المالح، كما أن هناك حملات دائمة للتأكد من مدى التزام محال المالح بالشروط الصحية. هنالك أيضاً مصنع الثلج مجاور للسوق لإنتاج الثلج الذي يساعد في حفظ الأسماك الطازجة.
مخازن المالح.
أحد المحال التجارية لبيع المالح بسوق السمك.
المهددات والمخاطر التي تواجه حرفة المالح:
هنالك عدد من المهددات والمخاطر التي تواجه حرفة المالح، منها أن عدداً كبيراً من الممارسين والحرفيين تخلوا عن ممارسة حرفة الصيد وإنتاج المالح، واعتمد عدد منهم على العمالة الوافدة وهذه واحدة من أهم المهددات التي ألحقت أضراراً كبيرة بالحرفة، دخلت العمالة الأجنبية أيضاً في سوق السمك الذي أنشئ بهدف توطين حرفة صيد الأسماك وإنتاج وبيع المالح، بالإضافة إلى مهددات العولمة المتمثلة في جوانب كثيرة منها الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. ولمواجهة هذه المهددات والمخاطر هذا يقتضي على المواطنين ممارسة صيد الأسماك، وإنتاج المالح والوقوف في أسواق بيع الأسماك.
حرفة المالح من الحرف التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، بجانب أهميتها الاقتصادية لإدرارها للدخل للمنتجين وتمثل الهوية الثقافية لأهل منطقة دبا؛ لذلك من الأهمية بمكان صونها والمحافظة عليها ونقلها للأجيال القادمة بوضع التدابير التي يمكن أن تساهم في وضع الحلول للمهدات والمخاطر.